الشهيد باهوز تكمان.. المقاتل الذي لم يستكين وحارب على مدى 58 يوماً  

وقف باهوز تكمان، رمز مقاومة عفرين، في وجه العدو على مدى 58 يوماً واستشهد، وتحول باستشهاده إلى ملحمة بطولية.

لم تقتصر الحرب التي جرت رحاها في روج آفا كردستان على نضال أبناء المنطقة فحسب؛ وتم تقييم هذه الحرب على أنها بمثابة انبعاث تاريخي جديد للأمة الكردية، ولم تشن القوى البربرية مثل داعش الهجمات على منطقة جغرافية بحد ذاتها فحسب، بل هاجمت هذه القوى هوية وثقافة ومستقبل شعب وارتكبت مجازر مروعة، وقد أدى هذا الوضع إلى إعادة استنهاض الوعي الوطني للشعب الكردي من جديد، وتعالت أصوات جميع الوطنيين الذين يقولون "أنا كردستاني" في نضال التحرير في روج آفا، وكانت روج آفا أقوى علامة على المقاومة الشاملة والتضامن الوطني ضد مرتزقة داعش، وخلال هذه الفترة، لم تعد الهوية الكردية مجرد انتماء عرقي، بل أصبحت رمزاً للبحث عن العدالة والمساواة والحرية، ومن الذين تصدوا ضد الهجمات التي شنها مرتزقة داعش ضد الشعوب، المقاتل في وحدات حماية الشعب باهوز تكمان.


"أولويته كانت معرفة الساحة ورفاق ورفيقات دربه"

تحدثت روخاش عفرين، إحدى رفيقات دربه النضالي، عن نضال باهوز تكمان.  

ذكرت روخاش عفرين أنها التقت وتعرفت على باهوز تكمان عام 2016، وقالت بهذا الصدد: "كنا في تلك الفترة في خضم حملة الشهباء، وكان الرفيق باهوز قد انتقل أيضاً من مقاطعة الجزيرة إلى الشهباء، وانضم إلى الجبهات الأمامية لحملة الشهباء كمختص في زرع العبوات الناسفة، وبما أن وجوده كان حديثاً في الشهباء، فقد أولويته معرفة الساحة ورفاق ورفيقات دربه، وكانت أولويتنا أيضاً هي التعرف على الرفيق باهوز، وعلى الحرب حينها على أشدها، تقريباً كان جميع الرفاق والرفيقات في الجبهات، وعلى الرغم من أن الرفيق باهوز لم يكن يعرف الساحة جيداً، إلا أنه كان في الجبهات الأمامية، وعندما كان يجري تنفيذ عملية في إحدى القرى، كان من أوائل الرفاق الذين يقترح نفسه لذلك، حيث كان له دور كبير كمختص في زرع العبوات الناسفة".

"لم يرغب إرسال الرفاق إلى الجبهة بمفردهم، بل كان في الصفوف الأمامية"

ولفتت روخاش عفرين الانتباه إلى السمات المميزة لباهوز تكمان، وأضافت قائلةً: "لقد كان طيب القلب للغاية وكان دائماً في الجبهات الأمامية لأنه لم يكن يرغب إرسال رفاقه إلى الجبهة بمفردهم، وفي ظل الهجمات العنيفة، قام بإبطال الكثير من الألغام في خضم المعركة حتى يتمكن الرفاق من الوصول إلى الخنادق، حيث بذل جهوداً حثيثة للاندماج مع الرفاق، وأراد التعرّف على الجميع خلال وقت قصير".

بمجرد تعافيه عاد إلى الجبهة

وذكرت روخاش عفرين أن باهوز تكمان أصيب بجروح خطيرة في ساقه عام 2016، وتابعت: "كان يتمتع بشخصية، بحيث كان يقوم على الفور بأداء واجباته ومسؤولياته، ويهب لمساعدة رفاقه، الأمر الذي من شأنه عزز علاقاتنا الرفاقية، وبقدر ما كان حساساً تجاه رفاقه، كان يتعامل مع قضية اللغم أيضاً بذات الحساسية، حيث كان يتصرف بحساسية شديدة لضمان سلامته وسلامة رفاقه، فقد كانت هجمات مكثفة للعدو، وكنا نتقدم إلى الأمام خطوة بخطوة، ولم يمر يوم دون اندلاع الحرب أو يُطلق ويتطاير الرصاص من فوقنا، كما أن المرتزقة كانوا قد زرعوا وملأوا الساحة بأكملها بالألغام، وفي وضع قاسي من هذا النوع، أُصيب باهوز خلال فترة قصيرة، حيث تعرض للإصابة في قدمه.

وعلى الرغم من خطورة إصابته، إلا أنه تعافى واستجمع قواه خلال فترة قصير جداً وعاد مرة أخرى إلى الجبهة، فقد كان مدركاً لمدى ثقل الحملة وأنه بحاجة إلى التعافي بسرعة، ولم يكن يرغب بترك رفاقه بمفردهم، ولهذا السبب، عمل لملمة جراحه سريعاً وكان رفيقاً قوياً وقوي الإرادة، كان يعرف كيف يستمر من حيث توقف، ولم يعتبر الإصابة عائقاً أمامه، كان حماسه ومعنوياته كما في اليوم الأول.  

عمل على تدريب متخصصين جدد في زرع العبوات الناسفة

كان يشارك معلوماته وينقل خبراته إلى رفاقه من أجل تدريب متخصصين جدد في زرع العبوات الناسفة، وقد وجد طرقاً وأساليب لإحباط تقنيات العدو وتكتيكاته، وكان يشارك وينقل خبراته في هذا الصدد بشكل قوي، حتى أنه كان يجدد معلوماته في الظروف الشديدة للحرب، وكان يحاول تطوير موهبته وخبرته في العبوات الناسفة، فعندما كان الرفيق باهوز متواجداً في جبهة ما، كان رفاقه يشعرون بالارتياح، كانوا يعلمون أنهم لن يطؤوا ألغاماً أثناء تقدمهم". 

شارك في مقاومة عفرين الممتدة لـ 58 يوماً

وذكرت روخاش عفرين أن باهوز تكمان انضم إلى المعركة كمتخصص في العبوات الناسفة في الخطوط الأمامية أثناء هجوم الدولة التركية على عفرين بعد حملة الشهباء، وأضاف قائلةً: "لم يتوان عن خوض القتال، لقد كان المتخصص في العبوات الناسفة في الخطوط الأمامية، وحارب قلباً وقالباً، وبذل جهداً وخاض مرحلة صعبة لمنع جيش الاحتلال التركي من أن تطأ قدمه ولو خطوة واحدة داخل عفرين، وكان يخوض المقاومة في بلدة بلبلة، ومع توسع رقعة الهجمات، زادت واجباته ومسؤولياته أيضاً، حيث أبطل مفعول الكثير من ألغام العدو، ونفذ العديد من العمليات النوعية لتفجير العبوات الناسفة، حيث ألحقت بالعدو ضربات موجعة، وجعل من نفسه درعاً لمنع العدو من التقدم ولو لخطوة واحدة، وتمكن من القتال بإمكانات محدودة ضد تقنية الدولة التركية التي هاجمت بـ 72 طائرة في اليوم الأول من الحرب، وشارك في كل لحظة من لحظات المقاومة على مدى 58 يوماً.        

كان على رأس عمله في الشهباء

بعد 58 يوماً انتقل إلى الشهباء مع أبناء شعبه ورفاقه، ولم يستكين هناك أيضاً، كان في حالة حركة مستمرة، حيث كان مهتماً بالوحدة المتخصصة في عمليات نوعية وكان في الوقت نفسه، يقوم بالتحضيرات للعملية من خلال اتباع تكتيكات جديدة، ولم يتوقف عن تنفيذ عملياته حتى بعد احتلال الدولة التركية لعفرين، حيث تولى قيادة كل عملية نوعية في تحضيرات العمليات بشكل منظم ومخطط له وثاقب.

"كان على أتم الاستعداد للتضحية بروحه من أجل شعبه"

كان على أتم الاستعداد للتضحية بروحه حتى يتمكن أهالي عفرين من العودة إلى أرضهم مرة أخرى، لأنه كان مخلصاً جداً لشعب عفرين، كان يحبها بعمق ومخلصاً لها، وكان يقول: "سنستعيد عفرين حتى لو مرت السنوات"، وحتى لو لم تكن هناك أي إمكانية للقيام بعمليات النوعية، فإنه كان يتحرك من خلال الجناح الهجومي، ولذلك، كان مخلصاً لوطنه وأرضه وشعبه، وبعد 58 يوماً من المقاومة، هاجم العدو دون توقف، حيث كان يعد التحضيرات لتنفيذ العمليات باستمرار، ويهاجم العدو بهذه الروح المعنوية والحماس".

* استشهد باهوز تكمان (علي سعيد جيهان أوغلو) في قرية كفر مزه التابعة لناحية شرا في عفرين بتاريخ 19 حزيران 2018 خلال تنفيذ العمليات ضد الجنود الأتراك ومرتزقتهم.